بحلول الحادي والعشرين من أكتوبر لعام 2010 يكون مر 40 عاما على الحدث الأهم في تاريخ البحرية المصرية، والمعركة التي قلبت موازين الحروب البحرية، وغيرت العقيدة القتالية لسلاح البحرية في جميع أنحاء العالم، ففي معركة خالدة في مثل هذا اليوم نجحت الزوارق المصرية في إغراق المدمرة الإسرائيلية "إيلات" في معركة هي الأولى من نوعها.
وتنبع أهمية إغراق المدمرة "إيلات" بحسب تأكيدات خبراء عسكريين، أنها نفذت بعد نكسة 1967 والأزمة العنيفة التي تعرضت لها العسكرية المصرية بعد خسارة المعركة، حيث جاءت بعد ثلاثة شهور من النكسة وهو ما أعاد بعض من الثقة المفقودة للجيش، وأنها قوضت بعضا من أسطورة الجيش الإسرائيلي وأكدت أنه في المتناول مجابهته والتصدي له.
علاوة على أن معركة تدمير " إيلات" كانت عملية رائدة في تقنية تنفيذها حيث استخدم فيها للمرة الأولى صواريخ " بحر - بحر " وهو ما أحدث نجاها تغييرا شاملا في مفاهيم التكتيك البحري في العلم بأسره.
وحول تفاصيل تنفيذ العملية وتدمير " إيلات" تواترت العديد من الروايات فالرواية الإسرائيلية التي أذاعها قائد البحرية وقتها شلومو إيريل أوضحت أن تدمير "إيلات" نتج عن إطلاق صواريخ سوفيتية الصنع من زورق صواريخ سوفيتي الصنع من طراز "كومار" وأن الزورق كان داخل بورسعيد ..وأن السوفيت قد يكونون هم الذين أطلقوا الصواريخ وأن هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها صواريخ "بحر – بحر" في معركة بحرية.
وكرر بن جوريون نفس الرواية بينما نقل موشى ديان رواية مشابهة .. مضيفا أن عملية الإغراق تمت على مسافة 13.5 ميل بحري خارج المياه الإقليمية المصرية وأن المدمرة أغرقت بصاروخين الأول أوقف المحرك والثاني أصابها وأغرقها ، وأن الخسائر وصلت إلى 47 ما بين قتيل وجريح.
والحقيقة التي أجمع عليها العسكريين المصريين أن المدمرة "إيلات" قامت في الحادية عشرة والنصف من صباح 21 أكتوبر 67 باختراق المياه الإقليمية المصرية حتى وصلت إلى مسافة خمسة أميال فقط من الشاطئ المصري فبلغت بذلك قمة الاستفزاز، وأجبرتها طلعات الاستطلاع الجوى والبحري المصرية التي انطلقت على الفور جعلتها تنسحب على الفور خوفا من التدمير.
ثم عادت المدمرة مرة أخرى في الخامسة مساء قادمة من نفس الاتجاه الشمالي الشرقي لبورسعيد لتقترب من المياه الإقليمية المصرية ثم اخترقتها مرة أخرى وفى هذه الأثناء كانت الأوامر التي أصدرها قائد البحرية لقائد قاعدة بورسعيد هي تدمير المدمرة "إيلات" فور اختراقها للمياه المصرية وعدم إعطائها فرصة للهروب.
وروى النقيب أحمد شاكر عبد الواحد الذي أطلق الصواريخ على المدمرة أنه بعد رصد الهدف أصدر أوامره باتخاذ تشكيل الهجوم و"يبدو أن العدو كان قد تنبه لوجودنا وبدأ في توجيه المدفعية نحونا" ..فأصدرت أوامري بإطلاق الصاروخ رقم واحد فأصاب المدمرة في وسطها وبعد دقيقتين أصدرت الأمر بإطلاق الصاروخ الثاني ليصيب الهدف إصابة مباشرة ليحوله إلى كتلة من النيران المشتعلة وبدأ يغوص بسرعة .. ثم أبلغني الرادار بإصابة الهدف وتدميره واختفائه من على شاشة الرادار الرئيسية وبقية الأجهزة".
وكان ذلك هو البلاغ النهائي بغرق المدمرة "إيلات" لذلك أصدر النقيب أحمد شاكر عبد الواحد قائد السرب الأمر بإلغاء هجوم الزورق الثاني والذي كان تحت قيادة النقيب بحري لطفي جاد الله ثم تحرك السرب متخذا تشكيل العودة.
ونظرا للموقف المثير والسرعة وجو المعركة فإن النقيب أحمد شاكر وبحسب روايته اعتقد أن المدمرة "إيلات" قد غرقت تماما .. إلا أن الحقيقة تثبت أن المدمرة قد أصيبت بالفعل ولكنها كانت لا تزال واقفة في مكانها تنتظر مصيرها المحتوم وهو الغرق الذي أخذ وقتا طويلا مما جعل قائد قاعدة بورسعيد يصدر أوامره مرة أخرى إلى زورق النقيب لطفي جاد الله باستكمال إغراق "إيلات" وهو ما تم بعد حوالي ساعتين من الضربة التي وجهها إليها زورق النقيب أحمد شاكر عبد الواحد.
وعقب النجاح في المعركة وتنفيذ مهمة إغراق " إيلات" صدر قرار جمهوري بمنح جميع الضباط والجنود الذين اشتركوا في تدمير المدمرة الإسرائيلية الأوسمة والأنواط تقديرا لما قاموا به من أعمال مجيدة .. وتقرر أن يكون هذا اليوم عيدا للقوات البحرية المصرية.
وتعد المدمرة " إيلات" واحدة من أول مدمرتين انضمتا للبحرية الإسرائيلية حيث تم شراؤهما من إنجلترا وأحضرهما طاقم إسرائيلي وكانت إحداهما "إيلات" والثانية "يافو" نسبة إلى الميناءين إيلات ويافا.
واشتركت "إيلات" في حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 1956..وكذلك في حرب يونيو 1967 ، وسرعان ما تقدمت إسرائيل تحت نشوة الانتصار في حرب 1967 وغرور القوة بدفع بعض قطعها لاختراق المياه الإقليمية المصرية في منطقة بورسعيد في محاولة لإظهار سيادتها البحرية.
واستمرت إسرائيل في اختراقها للمياه الإقليمية المصرية حتى جاء 5 يونيو 67 وتفجرت الأزمة ففي الساعة الحادية عشرة من صباح ذلك اليوم صدرت الأوامر بخروج زورقين من زوارق الطوربيد المصرية في مهمة استطلاعية أمام شاطئ بورسعيد .. وكان الأول بقيادة النقيب عوني أمير عازر والثاني بقيادة النقيب ممدوح شمس وفى أثناء مهمتهما أبلغا بوجود وحدات بحرية إسرائيلية تتكون من المدمرة "إيلات" وثلاثة لنشات طوربيد في المياه المصرية وكانت الأوامر للقطع المصرية تنص على عدم الاشتباك والاستطلاع فقط.
إلا أن العدو الإسرائيلي اكتشف وجود الزورقين المصريين فأطلق عليهما النار في الحال فدمر زورق النقيب ممدوح شمس ولم يتمكن من تدمير زورق النقيب عوني عازر الذي كان في إمكانه الانسحاب بزورقه .. إلا أنه أراد الثأر للنقيب ممدوح شمس فأمر بتجهيز الصواريخ استعدادا للاشتباك ، غير أن العدو سارع بإطلاق النيران على الزورق فاستشهد عامل أنابيب إطلاق الصواريخ.
وعلى الفور قرر النقيب عوني القيام بعمل انتحاري فوجه زورقه في اتجاه المدمرة ليصطدم بها ويحدث بها أكبر خسارة ممكنة ، وتم له ما أراد واستشهد النقيب عونى ورفاقه في مشهد تاريخي بطولي ، ونتج عن هذه المعركة إصابة المدمرة "إيلات" بإصابات كبيرة ولكن أمكن سحبها إلى ميناء أسدود حيث تم إصلاحها.
وعقب معركة زورق النقيب عونى مع المدمرة "إيلات" تم بلورة واجبات العمليات البحرية الصادرة عقب حرب يونيو 67 لتعطى لقائد البحرية المصرية الحق في التعامل مع أي قطع بحرية معادية دون الرجوع للقيادة العامة للقوات المسلحة مما يمكنها من حرية العمل وسرعة التعامل مع الوحدات والقطع البحرية المعادية.
وبعد إصلاح المدمرة "إيلات" عادت مرة أخرى وبعنجهية وغرور تستعرض أمام شواطئ بورسعيد قرب المياه الإقليمية وتحت أبصار رجال البحرية المتربصين للثأر منها، وفى 21 أكتوبر 67 تم رصدها بواسطة أجهزة الاستطلاع البحرية وعلى الفور انطلقت الزوارق الصاروخية لتدمرها.
No comments:
Post a Comment